فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنع ذلك سيبويه قال: لأن كُلًا لا تنعت ولا ينعت بها.
ولا يجوز البدل فيه لأن المخبر عن نفسه لا يبدل منه غيره، وقال معناه المبرد قال: لا يجوز أن يبدل من المضمر هنا؛ لأنه مخاطب ولا يبدل من المخاطَب ولا من المخاطب، لأنهما لا يشكلان فيبدل منهما؛ هذا نص كلامه.
{إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} أي لا يؤاخذ أحدًا بذنب غيره؛ فكل منا كافر.
قوله تعالى: {وَقَالَ الذين فِي النار} من الأمم الكافرة.
ومن العرب من يقول اللذون على أنه جمع مسلم معرب، ومن قال: {الَّذِينَ} في الرفع بناه كما كان في الواحد مبنيًّا.
وقال الأخفش: ضمت النون إلى الذي فأشبه خمسةَ عشرَ فبني على الفتح.
{لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} خزنة جمع خازن ويقال: خُزَّان وخُزَّن.
{ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ العذاب} {يُخَفِّفْ} جواب مجزوم وإن كان بالفاء كان منصوبًا، إلا أن الأكثر في كلام العرب في جواب الأمر وما أشبهه أن يكون بغير فاء وعلى هذا جاء القرآن بأفصح اللغات كما قال:
قِفَا نَبْكِ مِن ذِكْرى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ

قال محمد بن كعب القرظي: بلغني أو ذكر لي أن أهل النار استغاثوا بالخزنة؛ فقال الله تعالى: {وَقَالَ الذين فِي النار لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ العذاب} فسألوا يومًا واحدًا يخفَّف عنهم فيه العذابُ فردَّت عليهم {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات قَالُواْ بلى قَالُواْ فادعوا وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} الخبر بطوله.
وفي الحديث عن أبي الدرداء خرجه الترمذي وغيره قال: يلقى على أهل النار الجوع حتى يَعْدِل ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون منه فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع، فيأكلونه لا يغني عنهم شيئًا، فيستغيثون فيغاثون بطعام ذي غُصَّة فيغَصُّون به، فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء، فيستغيثوا بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب، فإذا دنا من وجوههم شواها، فإذا وقع في بطونهم قطّع أمعاءهم وما في بطونهم، فيستغيثون بالملائكة يقولون: {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ العذاب} فيجيبوهم {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات قَالُواْ بلى قَالُواْ فادعوا وَمَا دُعَاءُ الكافرين إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} أي خسار وتبار. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ في النار} معمولًا لا ذكر محذوفًا أي واذكر وقت تخاصمهم في النار، والجملة معطوفة على ما قبلها عطف القصة على القصة لا على مقدر تقديره اذكر ما تلي عليك من قصة موسى عليه السلام وفرعون ومؤمن آل فرعون ولا على قوله تعالى: {فَلاَ يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ في البلاد} [غافر: 4] أو على قوله سبحانه: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الازفة} [غافر: 18] لعدم الحاجة إلى التقدير في الأول وبعد المعطوف عليه في الأخيرين.
وزعم الطبري أن {إِذْ} معطوفة على {إِذِ القلوب لَدَى الحناجر} [غافر: 18] وهو مع بعده فيه ما فيه، وجوز أن تكون معطوف على {غُدُوًّا} [غافر: 46] وجملة {يَوْمٍ تَقُومُ} اعتراض بينهما وهو مع كونه خلاف الظاهر قليل الفائدة، وضمير يتحاجون على ما اختاره ابن عطية وغيره لجميع كفار الأمم، ويتراءى من كلام بعضهم أنه لكفار قريش، وقيل: هو لآل فرعون، وقوله تعالى: {فَيَقُولُ الضعفاء لِلَّذِينَ استكبروا} تفصيل للمحاجة والتخاصم في النار أي يقول المرؤسون لرؤسائهم: {إِنَّا كُنَّا} في الدنيا {لَكُمْ تَبَعًا} تباعًا فهو كخدم في جمع خادم.
وذهب جمع لقلة هذا الجمع إلى أن {تَبَعًا} مصدر إما بتقدير مضاف أي إنا كنا لكم ذوي تبع أي أتباعًا أو على التجوز في الظرف أو الإسناد للمبالغة بجعلهم لشدة تبعيتهم كأنهم عين التبعية {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مّنَ النار} بدفع بعض عذابها أو بتحمله عنا، و{مُّغْنُونَ} من الغناء بالفتح بمعنى الفائدة، و{نَصِيبًا} بمعنى حصة مفعول لما دل عليه من الدفع أو الحمل أوله بتضمين أحدهما أي دافعين أو حاملين عنا نصيبًا، ويجوز أن يكون نصيبًا قائمًا مقام المصدر كشيئًا في قوله تعالى: {لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مّنَ الله شَيْئًا}.
و{مِنَ النار} [آل عمران: 10] على هذا متعلق بمغنون وعلى ما قبله ظرف مستقر بيان لنصيبًا.
{قَالَ الذين استكبروا} للضعفاء {إِنَّا كُلٌّ فِيهَا} نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لدفعنا عن أنفسنا شيئًا من العذاب؛ ورفع {كُلٌّ} على الابتداء وهو مضاف تقديرًا لأن المراد كلنا و{فِيهَا} خبره والجملة خبر إن.
وقرأ ابن السميقع وعيسى بن عمر {كَلاَّ} بالنصب، وخرجه ابن عطية والزمخشري على أنه توكيد لاسم إن، وكون كل المقطع عن الإضافة يقع تأكيدًا اكتفاء بأن المعنى عليها مذهب الفراء ونقله أبو حيان عن الكوفيين ورده ابن مالك في شرحه للتسهيل، وقيل: هو حال من المستكن في الظرف.
وتعقب بأنه في معنى المضاف ولذا جاز الابتداء به فكيف يكون حالًا، وإذا سلم كفاية هذا المقدار من التنكير في الحالية فالظرف لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم نحو كل يوم لك ثوب.
وأجيب عن أمر العمل بأن الأخفش أجاز عمل الظرف في حال إذا توسطت بينه وبين المبتدأ نحو زيد قائمًا في الدار عندك وما في الآية الكريمة كذلك، على أن بعضهم أجاز ذلك ولو تقدمت الحال على المبتدأ والظرف؛ نعم منعه بعضهم مطلقًا لكن المخرج لم يقلده، وابن الحاجب جوزه في بعض كتبه ومنعه في بعض، قيل: وقد يوفق بينهما بأن المنع على تقدير عمل الظرف لنيابته عن متعلقه، والجواز على جعل العامل متعلقه المقدر فيكون لفظيًا لا معنويًّا، وإلى هذا التخريج ذهب ابن مالك وأنشد له قول بعض الطائيين:
دعا فأجبنا وهو بادي ذلة ** لديكم فكان النصر غير قريب

وحمل قوله تعالى: {والسماوات مطويات بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67] في قراءة النصب على ذلك، وقال أبو حيان: الذي اختاره في تخريج هذه القراءة أن كلا بدل من اسم إن لأن كلا يتصرف فيها بالابتداء ونواسخه وغير ذلك فكأنه قيل: أن كلا فيها.
وإذا كانوا قد تأولوا حولًا أكتعًا ويومًا أجمعًا على البدل مع أنهما لا يليان العوامل فأن يدعي في كل البدل أولى، وأيضًا فتنكير {كُلٌّ} ونصبه حالًا في غاية الشذوذ نحو مررت بهم كلا أي جميعًا.
ثم قال: فإن قلت: كيف تجعله بدلًا وهو بدل كل من كل من ضمير المتكلم وهو لا يجوز على مذهب جمهور النحويين؟ قلت: مذهب الأخفش والكوفيين جوازه وهو الصحيح، على أن هذا ليس مما وقع فيه الخلاف بل إذا كان البدل يفيد الإحاطة جاز أن يبدل من ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا نعلم خلافًا في ذلك كقوله تعالى: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا} [المائدة: 114] وكقولك: مررت بكم صغيركم وكبيركم معناه مررت بكم كلكم وتكون لنا عيدًا كلنا، فإذا جاز ذلك فيما هو بمعنى الإحاطة فجوازه فيما دل على الإحاطة وهو {كُلٌّ} أولى ولا التفات لمنع المبرد البدل فيه لأنه بدل من ضمير المتكلم لأنه لم يحقق مناط الخلاف انتهى، ولعل القول بالتوكيد أحسن من هذا وأقرب، ورد ابن مالك له لا يعول عليه {إِنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العباد} فأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار، وقدر لكل منا ومنكم عذابًا لا يدفع عنه ولا يتحمله عنه غيره.
{وَقَالَ الذين في النار} من الضعفاء والمستكبرين جميعًا لما ضاقت بهم الحيل وعيت بهم العلل {لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ} أي للقوام بتعذيب أهل النار، وكان الظاهر لخزنتها بضمير النار لكن وضع الظاهر موضعه للتهويل، فإن جهنم أخص من النار بحسب الظاهر لإطلاقها على ما في الدنيا أو لأنها محل لأشد العذاب لشامل للنار وغيرها، وجوز أن يكون ذلك لبيان محل الكفرة في النار بأن تكون جهنم أبعد درجاتها من قولهم: بئر جهنام بعيدة القعر وفيها أعتى الكفرة وأطغاهم، فلعل الملائكة الموكلين بعذاب أولئك أجوب دعوة لزيادة قربهم من الله عز وجل فلهذا تعمدهم أهل النار بطلب الدعوة منهم وقالوا لهم: {ادعوا رَبَّكُمْ يُخَفّفْ عَنَّا يَوْمًا} أي مقدار يوم من أيام الدنيا {مّنَ العذاب} أي شيئًا من العذاب، فمفعول {يُخَفّفْ} محذوف، و{مِنْ} تحتمل البيان والتبعيض، ويجوز أن يكون المفعول {يَوْمًا} بحذف المضاف نحو ألم يوم و{مِنَ العذاب} بيانه، والمراد يدفع عنا يومًا من أيام العذاب: {قَالُواْ أُوذِينَا لِمَ تَكْفُرُونَ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بالبينات} أي لم تنبهوا على هذا ولم تك تأتيكم رسلكم في الدنيا على الاستمرار بالحجج الواضحة الدالة على سوء مغبة ما كنتم عليه من الكفر والمعاصي كما في قوله تعالى: {وَسِيقَ الذين كَفَرُواْ إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءوهَا فُتِحَتْ أبوابها وَقَالَ} وأرادوا بذلك إلزامهم وتوبيخهم على إضاعة أوقات الدعاء وتعطيل أسباب الإجابة {قَالُواْ بلى} أي أتونا بها فكذبناهم كما نطق به قوله تعالى: {بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ الله مِن شيء إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال كَبِيرٍ} [الملك: 9] والفاء في قوله تعالى: {قَالُواْ فادعوا} فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فادعوا أنتم فإن الدعاء لمن يفعل فعلكم ذلك مستحيل صدوره عنا، وقيل: في تعليل امتناع الخزنة عن الدعاء: لأنا لم نؤذن في الدعاء لأمثالكم، وتعقب بأنه مع عرائه عن بيان أن سببه من قبل الكفرة كما يفصح عنه الفاء ربما يوهم أن الإذن في حيز الإمكان وأنهم لو أذن لهم لفعلوا فالتعليل الأول أولى، ولم يريدوا بأمرهم بالدعاء اطماعهم في الإجابة بل إقناطهم منها وإظهار خيبتهم حيثما صرحوا به في قولهم: {وَمَا دُعَاء الكافرين إِلاَّ في ضلال} أي في ضياع وبطلان أي لا يجاب، فهذه الجملة من كلام الخزنة، وقيل: هي من كلامه تعالى إخبارًا منه سبحانه لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
واستدل بها مطلقًا من قال: إن دعاء الكافر لا يستجاب وأنه لا يمكن من الخروج في الاستسقاء، والحق أن الآية في دعاء الكفار يوم القيامة وأن الكافر قد يقع في الدنيا ما يدعو به ويطلبه من الله تعالى إثر دعائه كما يشهد بذلك آيات كثيرة، وأما أنه هل يقال لذلك إجابة أم لا فبحث لا جدوى له. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا} يجوز أن يكون {إذ} معمولًا لاذْكُرْ محذوفٍ فيكون عطفًا على جملة {وأنذرهم يوم الأزِفَةِ} والضميرُ عائدًا إلى {الذِّينَ يجادلون في ءاياتت الله بِغَيْرِ سلطان} [غافر: 35] وما بين هذا وذاك اعتراض واستطراد لأنها قصد منها عظة المشركين بمن سبقهم من الأمم المكذبين فلما استُوفي ذلك عاد الكلام إليهم.
ويفيد ذلك صريحَ الوعيد للمشركين بعد أن ضُربت لهم الأمثال كما قال تعالى: {وللكافرين أمثالها} [محمد: 10]، وقد تكرر في القرآن موعظة المشركين بمثل هذا كقوله تعالى: {إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا} الآية في سورة [البقرة: 166]، وقوله: {قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار} الآية في سورة [الأعراف: 38].
ويجوز أن تكون {وَإذْ يَتَحَآجُّونَ} عطفًا على جملة {ويوم تقوم الساعة ادخلوا ءالَ فرعونَ أشدَّ العذاب} [غافر: 46] لأن إذْ ويومَ كليهما ظرف بمعنى حين، فيكون المعنى: وحين تقوم الساعة يقال: أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب، وحين يتحاج أهل النار فيقول الضعفاء. إلخ.
وقرن {فَيَقُولُ الضعفاؤا} بالفاء لإِفادة كون هذا القول ناشئًا عن تحاجّهم في النار مع كون ذلك دَالًا على أنه في معنى متعلَّق إذ وهذا استعمال من استعمالات الفاء التي يسميها النحاة زائدة، وأثبت زيادتها جماعة منهم الأخفش والفراء والأعلم وابن بَرهان، وحكاه عن أصحابه البصريين.
وضمير {يتحاجون} على هذا الوجه عائد إلى آل فرعون.
ويفيد مع ذلك تعريضًا بوعيد المشركين كما هو مقتضى المماثلة المسوقة وضمير {يتحاجون} غير عائد إلى {ءَالَ فِرعونَ} [غافر: 46] لأن ذلك يأباه قوله: {وقال الذين في النار لِخَزنة جهنم ادعوا ربكم} [غافر: 49] وقوله: {أَوَلَمْ تَكُ تَأتيكم رُسُلكم بالبينات} [غافر: 50] ولم يَأت آل فرعون إلا رسول واحد هو موسى عليه السلام فيعود ضمير {يتحاجون} إلى معلوم من المقام وهم أهل النار.
والتحاجّ: الاحتجاج من جانبين فأكثرَ، أي إقامة كل فريق حجته وهو يقتضي وقوع خلاف بين المتحاجّين إذ الحجة تأييد لدعوى لدفع الشك في صحتها.
والضعفاء: عامة الناس الذين لا تصرُّف لهم في أمور الأمة.
والذين استكبروا: سادة القوم، أي الذين تكبروا كِبْرًا شديدًا، فالسين والتاء فيه للمبالغة.
وقول الضعفاء للكبراء هذا الكلامَ يحتمل أنه على حقيقته فهو ناشىء عما اعتادوه من اللجإ إليهم في مهمهم حين كانوا في الدنيا فخالوا أنهم يتولون تدبير أمورهم في ذلك المكان ولهذا أجاب الذين استكبروا بما يفيد أنهم اليوم سواء في العجز وعدم الحيلة فقالوا: {إنَّا كُلٌّ فِيهَآ} أي لو أغنينا عنكم لأغنينا عن أنفسنا.
وتقديم قولهم: {إنَّا كُنَّا لَكُم تبعًَا} على طلب التخفيف عنهم من النار، مقدمة للطلب لقصد توجيهه وتعليله وتذكيرهم بالولاء الذي بينهم في الدنيا، يلهمهم الله هذا القول لافتضاح عجز المستكبرين أن ينفعوا أتباعهم تحقيرًا لهم جزاء على تعاظمهم الذي كانوا يتعاظمون به في الدنيا.
ويحتمل أن قول الضعفاء ليس مستعملًا في حقيقة الحث على التخفيف عنهم ولكنه مستعمل في التوبيخ، أي كنتم تدعوننا إلى دين الشرك فكانت عاقبة ذلك أنا صرنا في هذا العذاب فهل تستطيعون الدفع عنا.
وتأكيد {إنَّا كنا لكُم تَبَعًا} ب إنَّ للاهتمام بالخبر وليس لرد إنكار.
والتبع: اسم لمن يتبع غيره، يستوي فيه الواحد والجمع، وهو مثل خَدَم وَحَشَم لأن أصله مصدر، فلذلك استوى فيه الواحد والجمع، وقيل التَبَع: جمع لا يجري على الواحد، فهو إذن من الجموع النادرة.
والاستفهام في قوله: {فَهَلْ أنتُم مُغْنُونَ} مستعمل في الحث واللوم على خذلانهم وترك الاهتمام بما هم فيه من عذاب.
وجيء بالجملة الاسمية الدالة على الثبات، أي هل من شأنكم أنكم مغنون عنّا.
و{مغنون} اسم فاعل من أغنى غناء بفتح الغين والمدّ، أي فائدة وإجزاء.
والنصيب: الحَظ والحصة من الشيء، قال تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} إلى قوله: {نصيبًا مفروضًا} [النساء: 7].
وقد ضمّن {مغنون} معنى دافعون ورادُّون، فلذلك عُدي إلى مفعولٍ وهو {نصيبًا} أي جُزءًا من حر النار غير محدد المقدار من قوتها، و{مِنَ النَّار} بيان ل {نَصِيبًا} كقوله تعالى: {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب اللَّه من شيء} [إبراهيم: 21] فهم قانعون بكل ما يخفف عنهم من شدة حرّ النار وغير طامعين في الخروج منها.
ويجوز أن يكون {مغنون} على معناه دون تضمين ويكون {نصيبًا} منصوبًا على المفعول المطلق لِمغنون والتقدير غَناء نصيبًا، أي غناء مَّا ولو قليلًا.
و{منَ النَّارِ} متعلقًا ب {مغنون} كقوله تعالى: {وما أغني عنكم من اللَّه من شيء} [يوسف: 67].